
الاخبار: ريم الهاني
في أول اتصال هاتفي بينهما منذ بدء الحرب في أوكرانيا، أبلغ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نظيره الأميركي، دونالد ترامب، صباح أمس، باستعداد بلاده لاستقبال مسؤولين أميركيين في روسيا لبحث الحرب في أوكرانيا. وطبقاً لما أعلنه الكرملين، فقد اتفق الطرفان، في محادثتهما التي استمرت ساعة ونصف ساعة، على تنظيم لقاء شخصي، فيما أكد ترامب، من جهته، أنه ناقش مع بوتين جملة من القضايا، على رأسها أوكرانيا والشرق الأوسط والطاقة والذكاء الاصطناعي والدولار، مشيراً إلى أنه اتفق معه على ضرورة وقف «دائرة القتل» المستمرة. كما قال ترامب إن الطرفين اتفقا على بدء عمل «فرق التفاوض الخاصة بأوكرانيا»، وإنه طلب من وزير الخارجية ومدير الاستخبارات ومستشار الأمن القومي، قيادة المفاوضات التي «يشعر أنها ستنجح»، علماً أن بوتين شدد خلال الاتصال، مرة جديدة، على «ضرورة القضاء على الأسباب الجذرية للصراع في أوكرانيا».
وقبيل الاتصال، كان وابل من الصواريخ الروسية قد أمطر العاصمة الأوكرانية، كييف، أمس، تزامناً مع استعداد وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، لزيارة المدينة ولقاء الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، كجزء من جهود إنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية. وقال رئيس بلدية كييف، فيتالي كليتشكو، إن دويّ انفجارات سمع في كييف، توازياً مع اشتغال الدفاعات الجوية، فيما سُجّل اندلاع حرائق في أربع مناطق. وحصل ذلك أثناء شنّ روسيا عدة هجمات ضخمة بطائرات مسيّرة استهدفت البنية التحتية للطاقة الأوكرانية، ما تسبّب في انقطاع التيار الكهربائي عن بعض المناطق. وتأتي هذه التطورات عقب إعلان الرئيس الجمهوري، دونالد ترامب، أنّه يريد اتفاقاً يضمن وصول بلاده إلى الموارد المعدنية، مقابل مساعدة أوكرانيا في «الدفاع عن نفسها ضدّ الغزو الروسي»، وسط «ترحيب» أوكراني بالمقترح، الذي تمّت مناقشته خلال زيارة أول مسؤول في حكومة ترامب لأوكرانيا. في السياق، أكد زيلينسكي أنه أجرى «محادثات مثمرة» مع وزير الخزانة الأميركي، وتسلم منه «مسودة أولية لاتفاقية محتملة بشأن الموارد الطبيعية».
ونظراً إلى تدهور العلاقات، أخيراً، بين موسكو وواشنطن، يبدو أنّ الهجوم الأخير كان بمثابة رسالة واضحة من روسيا إلى كل من ترامب وزيلينسكي، في وقت تنذر فيه التطورات الأخيرة بأنّ حظوظ الرئيس الأميركي في إنهاء الحرب سريعاً، وفق ما كان قد تعهّد به، تستمر في التراجع؛ إذ إنه على الرغم من أنّ الكرملين أكد، الأسبوع الماضي، أنّه أجرى اتصالات مع الإدارة الجمهورية، في ما يتعلق بإجراء محادثات سلام لإنهاء الحرب، وأنّ تلك الاتصالات تكثّفت أخيراً، عبر قنوات «محددة»، فقد عاد الكرملين ليؤكد، الإثنين، أنّ العلاقات الأميركية – الروسية على وشك الانهيار.
وفي السياق نفسه، قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، في مؤتمر صحافي الإثنين، إن العلاقات مع واشنطن «تتأرجح على حافة الانفصال»، مضيفاً أنّ «الحرب في أوكرانيا ستستمر حتى تتخلى كييف عن طموحاتها في الانضمام إلى (الناتو)، وتنسحب من المناطق الأربع التي تحتلها القوات الروسية». وفي إشارة إلى أن موسكو متمسكة بموقفها التفاوضي، شدد ريابكوف على «أننا ببساطة بحاجة ماسّة إلى أن تفهم الإدارة الأميركية الجديدة وتعترف بأنه من دون حل للمشاكل التي تشكل الأسباب الجذرية للأزمة في أوكرانيا، لن يكون من الممكن التوصل إلى اتفاق».
في المقابل، يبدو أنّ زيلينسكي بدأ يبتدع حلوله الخاصة لإنهاء الحرب مع روسيا، بعدما أكد في حديث إلى صحيفة «الغارديان» البريطانية أنّه يخطط لطرح «تبادل مباشر للأراضي»، كوسيلة لإنهاء الحرب، في حال تمكن ترامب من جلب الطرفين إلى طاولة المفاوضات. وأردف زيلينسكي أنّ كييف «ستتخلى عن جزء من منطقة كورسك الروسية التي توغلت فيها بشكل مفاجئ في شهر آب»، رافضاً تحديد المناطق التي ستطالب كييف، موسكو، بالانسحاب منها مقابل ذلك، معتبراً أنّ «جميع أراضينا مهمة، ولا توجد أولوية لمنطقة على أخرى». وسرعان ما ردّ الكرملين على مقترح زيلينسكي بالتأكيد أنّ «روسيا لم ولن تناقش مسألة تبادل أراضيها»، مشيراً إلى أنّ مثل هذا الأمر «مستحيل». وفي منشور عبر حسابها على «تيلغرام»، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، بدورها، إنه «في منطقة كورسك، يسيطر النازيون الجدد على مساحة حوالي مترين وعمق متر ونصف»، معتبرةً أنّ «زيلينسكي يدلي بتصريحات مماثلة من أجل إخفاء الحجم الحقيقي للكارثة التي تشهدها القوات المسلحة» لبلاده في تلك المنطقة.
واللافت أنّ الهجمات الجوية الروسية الأخيرة على أوكرانيا تأتي قبيل مغادرة المسؤولين الأميركيين إلى أوروبا، هذا الأسبوع، لمناقشة الخطط المحتملة لإنهاء الحرب، مع زيلينسكي والوفد الأوكراني، في إطار ما يعرف بـ»مؤتمر ميونخ للأمن». وسيضم الوفد الأميركي نائب الرئيس جي دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، وكيث كيلوغ، المبعوث الخاص لترامب إلى أوكرانيا وروسيا. وفي السياق، رأت صحيفة «بوليتيكو» أنّه فيما يعتقد البعض «أننا أصبحنا على طريق مفاوضات بشأن وقف محتمل لإطلاق النار، أو حتى تسوية سلمية في أوكرانيا، يمكن اختتامها في غضون أسابيع»، فإنّ العديد من المراقبين يشككون في ذلك. ويرجع هذا، طبقاً للمصدر نفسه، إلى أن التوصل إلى ضمانات أمنية لأوكرانيا وتثبيت وقف إطلاق النار على طول خط المواجهة الحالي أصبح غير كاف حالياً، وأنّ الغرب بحاجة إلى الاستعداد لـ»عملية أطول بكثير ومعقّدة بشكل غير عادي، ستستغرق عدة أشهر».
إذ تحتاج الحلول المحتملة، والتي يقترحها الغرب في ما يتعلق بحفظ أمن أوكرانيا، إلى مناقشات جدية، نظراً إلى أنّ التقديرات حول عدد القوات المطلوبة لتأمين «خط وقف لإطلاق النار» بطول ألف كيلومتر بشكل فعال تتراوح ما بين 50 و200 ألف، وهو الرقم الذي حدده زيلينسكي بنفسه، فيما تبدو أوروبا غير قادرة، سياسياً أو عسكرياً، على إدارة مثل تلك الخطة. من جانبها، لا تفكر واشنطن حتى في وضع «أحذية جنودها على الأرض»، وهو موقف يكسر مبدأ «الناتو» القائم على ضرورة «تقاسم المخاطر»، ويجعل من الصعب على الحكومات الأووبية الحصول على موافقة برلماناتها في ما يتعلق بإرسال مثل هذه القوات إلى أوكرانيا.
من جهته، لا يرغب بوتين في إعطاء انطباع بأنّه «يرقص على أنغام واشنطن»، وهو ما يعني أنّ مناقشة «الوضع الأمني» لأوروبا والعقوبات والاستقرار الاستراتيجي وغيرها من القضايا، ستكون أمراً لا مفرّ منه. وطبقاً لأصحاب الرأي المتقدّم، سيتعامل بوتين بـ»ندّيّة» مع ترامب، إدراكاً من الأول بأنّ الأخير يريد «تجنب الصراع العسكري مع روسيا بأيّ ثمن»، وأنه «سيختفي إلى الأبد بحلول عام 2029»، ما يشجع الرئيس الروسي على استكمال حربه.